اكمال للقصهوكان هذا هو اسمها عندها، (الخنزيرة) لم تكن تناديها إلا به، فإذا جاء أبوها فهي البنت، تعالي يا بنت، روحي يا بنت! أما أختها فهي الحبيبة، فين أنت يا حبيبتي؟ تعالي يا عيني!
وعاد الصوت يزمجر في الدار؛ ألا تسمعين أختك تبكي؟ انظري الذي تريده فهاتيه لها! ألا تجاوبين؟ هل أنت خرساء ؟ قولي: ماذا تريد؟
فأجابت المسكينة بصوت خائف؛ إنها تريد الشكولاته…
ولماذا بقيتِ واقفة مثل الدبّة! اذهبي فأعطيها ما تريد!
فوقفت المسكينة، ولم تدر كيف تبين لها أن القطعة الباقية هي لها. لقد اشترى أبوها البارحة كفاً من الشكولاتة، عطاه لابنته الصغيرة فأكلته وأختها تنظر إليها، فتضايقت من نظراتها فرمت إليها بقطعة منه، كما يرمي الإنسان باللقمة للهرّة التي تحدق فيه وهو يأكل، وأخذت المسكينة القطعة فرحة، ولم تجرؤ أن تأكلها على اشتهائها إياها، فخبأتها، وجعلت تذهب إليها كل ساعة فتراها وتطمئن عليها، وغلبتها شهوتها مرة فقضمت منها قضمة بطرف أسنانها، فرأتها أختها المدللة فبكت طالبة الشكولاتة…
ولِكْ يا ملعونة فين الشكولاتة؟
فسكتت… ولكن الصغرى قالت: هناك يا ماما عندها، أخذتها الملعونة مني!
واستاقت المرأة ابنتها وابنة زوجها، كما يساق المتهم إلى التحقيق، فلما ضبطت (متلبسة بالجرم المشهود) ورأت خالتها الشكولاتة معها حل البلاء الأعظم!
يا سارقة يا ملعونة، هكذا علمتك أمك… تسرقين ما ليس لك؟
وكان ماجد يحتمل كل شيء، إلا الإساءة إلى ذكرى أمه، فلما سمعها تذكرها، لم يتمالك نفسه أن صاح بها:
أنا لا أسمح لك أن تتكلمي عن أمي.
فتشمرت له واستعدت وكانت تتعمد إذلاله وإيذاءه دائماً فكان يحتمل صامتاً لا يبدو عليه أنه يحفل بها أو يأبه لها، فكان ذلك يغيظها منه، وتتمنى أن تجد سبيلاً إلى شفاء غيظها منه وها هي ذي قد وجدتها…
لا تسمح لي؟ أرجوك يا سعادة البك اسمح لي أن في عرضك… آه! ألا يكفي أني أتعب وأنصب لأقدم لك طعامك وأقوم على خدمتك، وأنت لا تنفع لشيء إلا الكتابة في هذا الدفتر الأسود. لقد ضاع تعبي معك أيها اللئيم، ولكن ليس بعجيب أنت ابن أمك…
قلت لك كفّي عن ذكر أمي، وإلا أسكتُّك.
واقترب منها، فصرخت الخبيثة وولولت وأسمعت الجيران…
تريد أن تضربني؟ آه يا خاين، يا منكر الجميل، وْلي… يا ناس يا عالم، الحقوني يا أخواتي…
وجمعت الجيران، وتسلل ماجد إلى غرفته أي إلى الزاوية التي سموها غرفة، وخصوه بها لتتخلص سيدة الدار من رؤيته دائما في وجهها!
ودخل الأب المساء وكان عابساً على عادته باسراً لا يبتسم في وجود أولاده، لئلا يجترئوا عليه فتسوء تربيتهم وتفسد أخلاقهم ولم يكن كذلك قبل ولكنه استنَّ لنفسه هذه السنة من يوم حضرت إلى الدار هذه الأفعى وصبَّت سمَّها في جسمه، ووضعت في ذهنه أن ماجداً وأخته ولدان مدلّلان فاسدان لا يصلحهما إلا الشدة والقسوة…
وكانت خبيثة إذا دنا موعد رواحه إلى الدار، تخلع ثيابها وتلبس ثيابا جديدة، كما تخلع عنها ذلك الوجه الشيطاني وتلبس وجهاً فيه سمات الطهر والطفولة، صنعه لها مكرها وخبثها، ولا تنسى أن تنظف البنتين وتلبسهما ثياباً متشابهة كيلا يحس الأب بأنها تفضل ابنتها على ابنته..
دخل فاستقبلته استقبال المحبة الجميلة، والمشوقة المخلصة، ولكنها وضعت في وجهها لوناً من الألم البريء تبدو معها كأنها المظلومة المسكينة، ولحقته إلى المخدع تساعده على إبدال حلّته هناك ، روت له قصة مكذوبة مشوهة فملأت صدره غضباً وحنقاً على أولاده، فخرج وهو لا يبصر ما أمامه، ودعا بالبنت فجاءت خائفة تمشي مشية المسوق إلى الموت، ووقفت أمامه كأنها الحَمَل المهزول بين يدي النمر. فقعد على كرسي عال، كأنه قوس المحكمة وأوقفها أمامه،